كتبته بالإنجليزيّة و أعادت تحريره بالعربيّة : شهد الحموري
( تنويه : نُشر المقال بالإنجليزيّة على موقع Critical legal thinking و قامت الكاتبة بإعادة تحريره خصيصاً لينشر بالعربيّة )
ضمن تصريحاته حول أخر مجريات القضية الفلسطينية التي أشعلها الاعتداء الإسرائيلي على حيوات الفلسطينيين المادية والمعنوية، زعم “جو بايدن” : ” أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس” . استخدام مصطلح “دفاع ” في هذا السياق هو نتاج تنميط خطاب ” المعتدي-المدافع ” من نظرية “الحرب العادلة” التي تبرر حق دولة باللجوء الى القوة للدفاع عن مصالحها. تعد نظرية “الحرب العادلة” الأساس النظري الرئيسي لقوانين الحروب الحديثة.
إنّ استخدام كلمة ” دفاع ” يفترض وجود مصلحة مشروعة تستدعي الحماية ، و بالمثل فإنه يفترض أن أطراف النزاع أصحاب قوة عسكرية من نفس الدرجة، أي بشكل يتيح خوض معركة عادلة. لقد كان تحوير ” نظرية الحرب العادلة” إلى قوانين الحروب المعاصرة واحداً من الأسس النقديّة الرئيسية لوصف هذا القانون بأنه قديم و بعيد كل البعد عن ديناميكيات الحرب المعاصرة. فعند قراءة نصوص نظرية “الحرب العادلة” يتخيل القارئ أن الفاعل في الحرب هو الجندي، والمكان هو أرض المعركة، والأطراف هم الدول.في الواقع، لم يبقى من هذه المعالم شيئاً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
هناك تغيير ملحوظ لماهية الحرب، يمكن تحديد بدايته بلحظة كتابة ميثاق كيلوغ – برياند \ Kellogg-Briand Pact ( أو ما يعرف بميثاق “باريس ” 1928) الذي كان مقدمة لنهاية العصر الذي تتحارب فيه الدول المتقدمة اقتصاديًا بشكل مباشر. فبعد فشله الأولي بالحرب العالمية الثانية، كان هناك إصرار على “السلمية”، لكن اقتصرت هذه السلمية على الدول المتقدمة إقتصادياً، فرحبت بحقبة الحروب بالإنابة- proxy wars في دول الجنوب حيث التفاوتات في القدرة العسكرية هائلة. في الوقت ذاته، أصبحت الحرب وأدواتها سلعة في عجلة الرأس مالية، فوصلت الى حد الخيال العلمي ، وأصبح سوقها سوق “الدفاع” وسلعتها متاحة لأصحاب الجيوب العميقة الراغبين بالإكثار من ثرواتهم وسلطتهم والإبقاء على مكانتهم.
في هذا السياق ، يشير ” بودريار” إلى أن الحرب المعاصرة أصبحت “تمرينًا على الهيمنة وليس عملاً من أعمال الحرب “. لكن لا يوجد أي مصطلح في القانون الدولي لوصف هذه الهيمنة، فعند البحث عن مصطلح “الحروب الغير متكافئة” تجد أن المصطلح قد تم تنميطه من قبل الولايات المتحدة لوصف حرب المليشيات. فبرأي الدوائر الأكاديمية الأمريكية، فإن الوسائل “الغير تقليدية” المستعملة من قبل المجموعات المسلحة تخلق نوعاً من عدم التكافئ. تفشل هذه الرواية في الإشارة إلى أن اللجوء إلى مثل هذه الاستراتيجيات من قبل المجموعات المسلحة إن كان في كوبا أو فلسطين أو السودان هو رد فعل طبيعي لممارسة حق المقاومة في وجه التفوق العسكري للدول المتقدمة ، مثل إسرائيل. هذا النوع من التنميط اللغوي الجريء، الذي يفتقر حتى إلى أساس قانون سليم، يفترض أحقية الدول المتقدمة إقتصادياً بالهيمنة والحفاظ على الحال السائد، فيحرم الأخريين حتى من الوصف اللغوي لحال الهيمنة العام.
هذا هو الحال الفكري لقوانين الحروب في شكلها الحديث، فهي تغض النظر عن العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وتقتصر التقييم على معايير شكلية تفترض حتمية العنف المهيمن. لم يتم تطوير قوانين الحروب منذ إنشاءها إلا بإضافات واهية، والسبب يعود الى رفض الدول المتقدمة تقديم أي تنازلات عن “حقها بالدفاع عن نفسها” فباءت مختلف المحاولات بالفشل. في هذا السياق، يمكن للمرء أن يلاحظ أن الإحجام عن تطوير قوانين الحرب قد سمح باستمرارية التصنيفات القانونيّة التي تتجاوب مع واقع مختلف تماماً. إن استمراريّة هاته التصنيفات يعني أنه يمكن استخدام لغة قوانين الحرب لبناء سرديّة تدعم موقف أحد الفاعلين ضد الآخر. و في هذا السياق ، فإن إسرائيل تسعى جاهدة لاستمرارية الحالة الراهنة، في الحيز المادي من خلال القنابل والجنود المراهقين والمستوطنين المسلحيين. وفي الحيز اللغوي في الإعلام وغرف الأمم المتحدة وصفوف القانون الدولي في الجامعات.
“الإرهابيون“
إن استخدام مفهوم الإرهابيين لوصف حماس أو الجهات الفاعلة الأخرى في المقاومة الفلسطينية هو مثال كلاسيكي على تسمية الواقعة مسمى مغلوط بهدف تشويه الصورة. فمصطلح “إرهابي” مرتبط بشكل لا واعي بمصطلح ” العدو”. في سياق منطق نظرية الحرب العادلة، لابد من تحديد العدو، ولقد أدان فلاسفة نظرية الحرب العادلة بما في ذلك ” شيشرون” و ” أوغسطين” و “فيتوريا” العدو لاختلافاتهم ، و أصبح الاختلاف نفسه رمزًا لما يهددهم. بتالي، من يتم تصنيفه تحت هذه الفئة يشيطن بشكل يبرر “بلغة الأخلاق” التقليل من قيمة حياته.
في الأزمنة المعاصرة ، أمسى سؤال “من هو العدو؟ ” و من يستحق هذا العنف؟ معولم ومتلفز و مقنن في أطر العوالم الاستهلاكية. أما الاختلاف بدوره ، فيتم تعريفه سياسياً ، و يتشكل في نهاية المطاف من خلال البنيات الهرمية للهيمنة و عدم المساواة التي أصبحت متأصلة في النظام الاقتصادي المعولم.
و هنا ، يمكننا أن نربط بين أنظمة التميثلات المعولمة التي تشكل المشاعر و السلوكيات الشعبية ، و السعي للحفاظ على” النظام العالمي ” و تحديد ” العدو” بشكل متداخل مع مفهوم ” الاختلاف ” ، إذ أنّ ” الآخر ” وفقاً لما هو ” مختلف ” يدلنا ضمناً على العدو الذي يوضع في دائرة الوجود الهش – Precarity \ أي المحو و التهميش.
إن وصف حماس بالإرهابيين يعني وضعهم هم و أهل غزة في منطقة يستحقون فيها الشيطنة – demonisation بوصفهم الأعداء فهم ” منزوعو الإنسانية “. كنتيجة فإن التشكيلات اللغوية السائدة في الحيز الليبرالي المرسوم للقانون الدولي ترسم غزة تحت إطار مبسط من “الأخر العدواني” و “الإرهابي”، متناسياً الواقع الديستوبي لمدينة تم الوعي الجمعي لأهلها عبر أربع أجيال من الهيمنة (والخامس قد بدء)، عاشوا تحت حصار وقصف. فعند تقييم الواقع من وجهة نظر علم النفس، لأهل غزة كل الحق بالجنون التام إن شاءوا فهم تحت الهيمنة المادية والمعنوية و حتى اللغوية الهادفة لإنكار وجودهم وحقهم البشري بالحياة الكريمة.
يرتبط تصنيف ” الإرهابي ” أيضًا بسؤال” من له الحق في الاستخدام المشروع للعنف؟ ” فهل يحق لإسرائيل قصف محيط حضري دون عقاب لأنها دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة؟ أمّا حركة حماس فمدانة لإطلاقها عددًا من الصواريخ التي ألحقت أضرارًا لا تُقارن – بما تلحقه إسرائيل – بمدينة عالية التحصين؟ وكتصنيف الحرب “الغير متكافئة” لا يجد تصنيف “الإرهابي” أي أساس قانون واضح.
إن تسامح و تهاون القانون الدولي تجاه استعمالات توظيفيّة – instrumentalization لتصنيفات و مفاهيم غير مكتملة المعنى كأداة لتحديد معايير أيّة أرواح هي التي تستحق الرثاء و التعاطف وشرعية العنف بأسلوب داعم للهيمنة السائدة ، هو سبب داعٍ للتعرية اللغوية والنظرية لأسسه.
المصدر Critical legal thinking