قال ابن رشد في تكفير الغزالي لفلاسفة الإسلام
” فإن قلت: فإذا لم يجب التكفير بخرق الإجماع في التأويل إذ لا يتصور في ذلك إجماع، فما تقول في الفلاسفة من أهل الإسلام، كأبي نصر وابن سينا؟
فإن أبا حامد قد قطع بتكفيرهما في كتابه المعروف التهافت في ثلاث مسائل: في القول بقدم العالم، وبأنه تعالى لا يعلم الجزئيات تعالى عن ذلك . و في تأويل ما جاء في حشر الأجساد وأحوال المعاد.
قلنا: الظاهر من قوله في ذلك أنه ليس تكفيره إياهما في ذلك قطعاً، إذ قد صرح في ” كتاب التفرقة” أن التكفير بخرق الإجماع فيه احتمال. و قد تبين من قولنا أنه ليس يمكن أن يتقرر إجماع في أمثال هذه المسائل، لما روي عن كثير من السلف الأول، فضلاً عن غيرهم، أن هاهنا تأويلات يجب أن لا يفصح بها إلا لمن هو من أهل التأويل وهم الراسخون في العلم. لأن الاختيار عندنا هو الوقوف على قوله تعالى ” و الراسخون في العلم “، لأنه إذا لم يكن أهل العلم يعلمون التأويل لم تكن عندهم مزية تصديق توجب لهم من الإيمان به لا يوجد عند غير أهل العلم. وقد وصفهم الله بأنهم المؤمنون به، وهذا إنما يحمل على الإيمان الذي يكون من قبل البرهان، وهذا لا يكون إلا مع العلم بالتأويل.
فإن غير أهل العلم من المؤمنين هم أهل الإيمان به لا من قبل البرهان. فإن وكأن هذا الإيمان الذي وصف الله به العلماء خاصاً بهم فيجب أن يكون بالبرهان. أن كأن بالبرهان فلا يكون إلا مع العلم بالتأويل، لأن الله تعالى قد اخبر أن لها تأويلا هو الحقيقة، والبرهان لا يكون إلا على الحقيقة. وإذا كان ذلك كذلك، فلا يمكن أن يتقرر في التأويلات التي خص الله العلماء بها إجماع مستفيض. وهذا بين بنفسه عند من أنصف. “
المصدر :
الكتاب: فصل المقال – المؤلف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى: ٥٩٥هـ)، دراسة وتحقيق: محمد عمارة