Ersnt_Bloch-إرنست بولخ مديح الغضب nawaqees.com نواقيس
Ersnt_Bloch-إرنست بولخ مديح الغضب nawaqees.com نواقيس

إرنست بلوخ : مديح الغضب و بؤس الكراهيّة

كل ثورة يصاحبها غضب. الغضب لا يجعل المرء أعمى بالضرورة. وهو إلى ذلك يقظ و مؤقت. على النقيض من ذلك، تستمر الكراهية في التضخم.

تمهيد :

  هذه مقتطفات من حوار أجري سنة 1967 من الفيلسوف و المفكر ” إرنست بلوخ – Ernst Bloch” و نشر لاحقا بالألمانيّة سنة 1978 .

سؤال: الكراهية ظاهرة، حقيقة نواجهها – بشكل مباشر أو غير مباشر – كل يوم. قبل كل شيء، أفكر في تلك الكراهية الجماعيّة التي يمكن للمرء أن يستغلها سياسياً، و يتلاعب بها. في حديثنا، أنا مهتم بشكل خاص بكيفية تقيميك للكراهية العنصرية و الكراهية الطبقية. فالدوافع مختلفة و لكن الحصيلة – عند النظر إلى النتائج – هي نفسها: هلاك الناس؟

بلوخ :  في المقام الأول ، الكراهية ليست ميزة محببة. إذ تجعل المرء غاضبًا وأعمى. إنها تشوه الوجه ، حتى عندما تكون نابعة من حق. و مع ذلك فهناك اختلافات جلية الوضوح بين الكراهية الطبقية و الكراهية العنصرية في المضمون و المُخاطب.

فبينما في الأنواع المكبوتة من الكراهية ، مثل الكراهية العنصرية وكراهية الأجانب – xenophobia ، يتم التنفيس فائض من العنف، الذي لا يشكك أبدًا في أسبابه و خلفياته الخاصة ، فإن للكراهية الطبقية – منذ زمن سبارتاكوس – أصل في القمع و الاستغلال. إذ على المرء أن يفرّق بشكل جلي ما بين القول “اليهود هم محنتنا” أو “العمال الأجانب هم بليتنا” و ما بين القراءات في رأس مال ماركس حول الطابع الضد إنساني للرأسمالية .

في القرن الثامن عشر ، منذ وقت آدم سميث ، و قبل ذلك ، في القرنين الخامس عشر و السادس عشر ، عندما حرر رجل الأعمال نفسه من النقابات ، أطلق العنان لقوى الإنتاج ؛ فكانت هناك الثورة الفرنسية ، و التنوير ، و الموسوعة – Encyclopédie كل هذا ، حتى أن تصنيف الحرية لم يظهر إلا من خلال التحرر من قيود النظام الاقتصادي. و بهذا المعنى ، فإن الماركسية تحكم على التطور الرأسمالي حتى حوالي عام 1800 باعتباره تقدميًا إلى حد ما (و هذا أمر حير دائمًا المحافظين و الرجعيين). و مع ذلك ، ظلت الرأسمالية تقدمية فقط حتى تعاضمت التناقضات لدرجة أن المواطن- citoyen عاد إلى نظام الإقطاع القديم.

الكراهية الآتية من الأسفل [ الجماهير]، عندما تبرز، تُحرّض و تستثار من من هم في الأعلى . و أولئك الذين يكرهون لعبوا دوراً رئيساً في هذا لأنهم هم من كرهوا أنفسهم : كرهوا الرجل العادي ( the little man) ، و العبد ، و المضطهدين – خاصة عندما ثاروا – تمامًا كما كان الإرهاب الأبيض [ نسبة للعنصريين البيض ] يضاهي – إن لم يتجاوز – الإرهاب الأحمر [ نسبة للماركسيين] ، و هي مبالغة لا يمكن تشبيهها إلا بالعقاب المفرط للص الخشب الفقير على المشنقة.

تنبع الكراهية العنصرية وكراهية الأجانب من بلادة الإنسان التقليدي \المحافظ ، و افتقاره للتبصر المنطقي في الحقائق ،مما يدفعه للتهليل و الانضمام إلى الكراهيّة من اليمين أو من أعلى [ الهرم الاجتماعي ] ، والتي تعبر عن نفسها فيما بعد في التشهير و الغباء و تخلص إلى في معاداة عامة للشيوعية. هذه العداء للشيوعية ، مثل معاداة السامية ، التي تأتي أيضًا في الغالب من اليمين والتي تسعى دائمًا إلى التعميم – “الروسي” ، “الألماني” ، “الفرنسي” ، “اليهودي” – هذا العداء للشيوعية هو أحد من أبشع أشكال التعميم دون مراعاة للفروق. يزدهر التعميم حيث يسود الغباء.

لكن يبدو لي أن القضية الرئيسية هي السؤال: هل الكراهية في المواقف الثورية المحددة وسيلة يمكن السماح بها، لو مؤقتاً؟

تلك الكراهية التي تتحول بسرعة عندما يُصرح بها (أي من الأعلى) حيث يختفي ما هو ( و الذين يستثير نفوسهم العمى و السخط الخالص) فاسد وما هو إجرامي – هذه الكراهية يجب أن تتحول إلى غضب.

فللغضب مظهر مختلف جداً عن الكراهيّة. إذ يتحدث المرء عن غضب مبرر و لكن ليس عن كره مبرر. الغضب هو ذلك العنصر الذي أدى إلى اقتحام و تدمير” الباستيل” ، و الاستيلاء على قلعة” زوينج أوري”  و رفض ” ويليام تيل”  الانحناء أمام قبعة” جيسلر”.  الغضب هو السخط على الاعتداء على كرامة الإنسان، هاماتنا المرفوعة. الكراهية شاحبة، مكتئبة، جبانة، قابلة للاشتعال، بها أبخرة كحولية (والتي يمكن أن تصبح شديدة الانفجار).

الغضب مفتوح ، لا يجعل المرء شاحبًا بل أحمر. عندما يكون النازي البائس البورجوازي الصغير حذرًا في كراهيته ، فإن الغضب يلقي بالحذر في مهب الريح. الغضب ليس انتهازي نفعي .إذ يمكن و على حين غرة أن يمضي ضد مصلحته الخاصة . لهذا السبب لديه تقارب مع الأشياء العليا.

– إذن أنت تنظر إلى الكراهية الطبقية على أنها غضب أكثر من كونها كراهية؟

بلوخ: كل ثورة يصاحبها غضب. الغضب لا يجعل المرء أعمى بالضرورة. وهو إلى ذلك يقظ و مؤقت. على النقيض من ذلك، تستمر الكراهية في التضخم. عندما ينفجر الغضب ، فإنّ لدى المرء وقت للتفكير – بلا غضب أو تحيّز\تعصب – sine ira cum studio ( باللاتينية) – وإلا فسيتلوّث بهذه الكراهية المُفسدة بسهولة.

الكراهية هي شعور عفن عندما لا يتحول إلى صفاء الغضب. تفقد الكراهية وضوح مآربها و لهذا السبب لا تنتمي إلى الصراع الطبقي. إذ أنها لم تجد المرسل إليه الحقيق.

المصدر

[ يمنع اقتباس ” بعض ” أو ” كل ” من المواد و النصوص المنشورة و المترجمة على نواقيس © إلا بعد مراسلتنا و مواقفتنا عبى ذلك، نقدر لكم تفهمكم]

[أو من طريق الرابط هنا read@nawaqees.com : لأية ملاحظات على التَّرْجَمَة أو المعلومات المنشورة يرجى التواصل على ] 

 

 

نواقيس ؛ محاولة أصلها إيمان بفعل القراءة ،كفعل وعي وتنوير وممارسة (Praxis) يتضمن موقع نواقيس منتخبات معاصرة ولا راهنيّة في الفكر و الفلسفة  والسياسة، إذ نؤمن أنّ هناك ما هو ضروري اكثر من متابعة الاحداث  الراهنيّة – كما تروى في شريط الأخبار – والكتابة عنها.

للتواصل و المساهمة اتبع الرابط

Books 111
Send this to a friend